شبكة روايات للحوار

حياتنا

تمتع وتصفح باقي أقسام موقعنا

 
بيئتنا دليلنا علومنا عالمنا
أسطورتنا منوعاتنا مكتبتنا ديننا
موقعنا حضارتنا برامجنا غرائبنا

إقرأ اَخر المواضيع المثيرة في البحار والمحيطات

ملايين الأطنان من الكيماويات تلوثها سنوياً

((العنف المهذب)) يدمر البحار والمحيطات

المصدر: جريدة الخليج الإماراتية

هناء الدرويش- أسامة الأسدي

عندما يذكر الماء تخطر في البال الحياة, فلا حياة دون ماء, وما أغزر الكائنات في البحار والمحيطات, وما أغنى الثروات التي نحصل عليها منها.

ومع أن البحر يعطينا الكثير, فإننا نثقل عليه ولا نرحمه ونتركه عرضة للخطر تماماً كما نفعل بكل الكوكب الذي نعيش عليه.

ولإخراج البحار من أزمتها, يحارب الكثير من العلماء, ويطلقون صرخات استغاثة لإنقاذ ثروتنا المائية من الضياع.

لو نظرنا إلى أعماق البحار والمحيطات لأدهشنا جمالها وغناها, ففي تلك الأعماق تعيش أنواع مختلفة ومتنوعة من الكائنات التي تثير المشاعر وتحرك الأحاسيس. وتتداخل الحياة في قاع المحيط كما في الأعماق القريبة من السطح.

واذا كان الجمال يكفي لتتوقف العين في لحظة تأمل, فإن هذا الجمال شيء يسمو بالأحاسيس والمشاعر. فاكتشاف ضعف الكائنات  وارتباطها ببعضها بعضاً يعطي إحساساً رائعاً. والروابط بين الكائنات البحرية غالباً ما تكون أهم بكثير من الكائنات نفسها, فالمرجان مثلاً لا يمكن ان يكون شيئاً لولا تعايشه مع الطحالب المجهرية التي تزيد من نشاط عملية الأيض في جسمه.

وبفضل هذا التعايش, يستطيع المرجان بناء شعابه وعمل مساحة كبيرة تستطيع اَلاف الاسماك العيش فيها, واذا علمنا ان البحر هو أغنى البيئات على سطح الأرض, فإننا حتماً سنعرف ان الحياة في أعماق البحار غنية بالمفاجاَت التي تجعل المرء عاجزاً عن الكلام أحياناً.

واذا كان النظر الى جمال المحيطات ضرورة, فإن تعلم الحفاظ على الكائنات فيها ضرورة أكبر, فتلك الأماكن المائية تتعرض يومياً للعنف البشري الذي يتحدى الممنوعات في كل لحظة.

واذا لم نستطع الحفاظ على الحياة في المحيطات في السنوات المقبلة, فإننا نعرض حياتنا للخطر, لأن الحياة على الارض تصبح مستحيلة مع تلوث المحيطات واقتناص الحياة فيها.

واذا كان في المحيطات ماضينا ففيها أيضا حاضرنا, لكن ارتباطنا بالمحيطات مثل ارتباطنا بكل مكونات الطبيعة, بعيد ومن جانب واحد, فالانسان العصري ابتعد عن الجوانب الاخرى من الحياة بسبب تقدمه في عالم التكنولوجيا, فأصبح لا يقدر الثروات الطبيعية ولا يحترمها, متناسياً ما قد يخلف الإهمال في هذه الثروات القديمة. وأقرب مثال على إهمال البشر لثرواتهم البحرية الطبيعية هو رد فعل الدول الأعضاء  على إعلان المفوضية الأوروبية فرانز فيشر عن الوضع المأساوي الذي بلغته الثروات المائية, بالاكتفاء  بالتفكير بالجانبين الاقتصادي والبيئي وتأثير التدهور على نشاط الصيادين المعنيين.

ولم يحاول أحد ان يفهم ما وراء كلمة ((مأساوي)), وما تتضمنه من تراجع الثروة السمكية نتيجة الصيد المكثف بوسائل غير مشروعة. علماً ان الحياة البحرية ترزح أكثر فأكثر تحت ثقل التطور التقني الممثل بالأقمار الصناعية, وشبكات الصيد الدقيقة..والنتيجة أننا سنصبح أمام خيارين؟ الطاعون والكوليرا. ولن نجد حلاً سوى بتقليص الانتاج أو التراجع كي تتمكن من القفز في مستقبل قريب جداً.

وماذا يمكن ان نفعل عندما نعرف أن هناك خمسين كيلومتراً من شباك الصيد تعمل في مياه الأرض دونما انقطاع؟

وان الإنسان لا يوفر جزءاً واحداً من المياه في البحار والمحيطات؟

أخطار المستقبل: في لائحة العنف ((المهذب)) الذي تتعرض له البحار والمحيطات, ليس التفجير سوى عينة بين اَلاف الوسائل المتبعة قالمحيطات ترزح تحت كل  اشكال الإهانات ولا أحد يحرك ساكناً إلا وفق إيقاع الكوارث الكبيرة. علماً ان الكثيرين يعرفون او على الأقل يشكون ان الخطر الاكبر قد لا يعطي انذاراً وقد يكون خفياً.

اما فيما يتعلق بالتقل البحري فإن الخطر القادم قد يكون أكبر مما تتصور, فالبحار اليوم تستقبل قنابل متنوعة وقاتلة تتمثل بالمواد الاشعاعية والبكتيرية.

وبانتظار النتائج التي سنحصل عليها في المحيطات بسبب هذا التلوث, فإننا لن نحتاج الى غرق ناقلة للبترول كي نشعر بتسمم المحيطات. فالبترول الذي يطفو على وجه المياه لا يمثل سوى 2,5 في المائة من التلوث بالمواد الهيدروكربونية. ذلك أن البحار والمحيطات تستقبل سنوياً ملايين الأطنان من الملوثات عن طريق الانهار هذا الى جانب الغازات التي تفرغها السفن في الموانىء.

لقد تحولت المحيطات والبحار في الواقع الى مكتب للنفايات نفرغ فيها فضلات طعامنا وصناعتنا وزراعتنا. كما اصبحت سلة مهملات نصب فيها جزيئات ومواد سامة وخطيرة لا نعرف نسبة خطرها. فالبحار تتلقى سنوياً مواد مثل الديوكسين والزئبق والرصاص والاستروجين, والنيترات والفوسفات, السيزيوم والبلوتونيوم, وجزيئات اخرى شيطانية ليس لها دور سوى تهديد الحياة البحرية.

ولا ننسى ان كثيراً من هذه المواد السامة تتجمع في الطبيعة ثم تنتقل الى السلسلة الغذائية أي الى أطباق طعامنا!

الى ذلك, يفيد اَخر تقرير صادر عن برنامج الامم المتحدة للبيئة ان تلوث مياه المجاري التي تصب في البحار يولد أزمة صحية كبيرة جداً. وان تناول المحار الملوث يسبب 2,5 مليون اصابة بالتهاب الكبد الجرثومي الذي يودي سنوياً بحياة ما لا يقل عن 25 ألف شخص, هذا الى جانب 25 ألف شخص اَخر يتعرضون لإصابات الكبد المزمنة.

والى جانب هذه الأمور المخيفة, يمكن ان نذكر عشرات الأنواع من الكوارث غير المرئية التي تتوسع وتزداد انتشاراً في المحيطات يوماً بعد يوم.

ومن يعرف مثلاً ان اقامة السدود على المجاري المائية الكبيرة والصغيرة, يمكن ان يؤدي على المدى المتوسط, الى تغيير ملوحة البحار شبه المغلقة مثل البحر الأبيض المتوسط؟

والحالة هذه, هل نتصور الكارثة التي يخلفها تغير الملوحة لدى الكائنات المعتادة على الحياة في نسبة ملوحة معينة؟ ربما قد تختفي بعض الأنواع من النباتات البحرية وتندثر معها سلسلة من الحيوانات التي لات عيش إلا عليها.

ومن اَفات العصر أيضاً, اجتياح الكائنات الغريبة للبحار والمحيطات التي غالباً ما تحملها السفن, والتي تجد الظروف المناسبة للنمو والتكاثر على حساب الكائنات الأصيلة في البحار.

والى جانب تلك اللائحة التي لا تنتهي يمكننا ذكر استعمار السواحل وهدمها لغيات عمرانية, علماً ان الشواطىء هي الاماكن الأغنى بالكائنات المفيدة للبيئة.

وبين اَلاف العواقب الوخيمة التي تخلفها يد البشر في الحياة البحرية, يمكن ان نذكر غزو الانسان الذي أثر في صدور الشواطىء مؤثراً في تكاثر السلاحف واباضتها.

وأخيراً, وكي يتوج كل هذا, يمكن القول ان المحيط هو أول ضحايا التغير المناخي الذي تخلفه انشطة البشر المتنوعة. فمن المفترض ان يلعب المحيط دوراً ينظم المناخ, لكنه تجاوز كل الأحداث ولم يعد قادراً على مواجهة العبء الذي يحمله منذ غابر الأزمان.

والى جانب التدمير الذي يتعرض له المرجان في البحار والذي يحتمل ان يكون سببه الارتفاع المضطرد في حرارة المياه, فإن نتائج هذا الانقلاب الحراري قد تكون وخيمة جداً لدرجة عدم قدرة الخبراء على السيطرة عليها.

من ناحية أخرى, يمكن ان يؤدي ظهور  امراض جديدة الى فناء العديد من انواع الكائنات البحرية وبخاصة الحيوانات اللافقارية.

وتجدر الإشارة الى أن هذه التشوهات او الأمراض المتسببة عن تقلبات الحرارة يمكن ان تسبب ظهور وتكاثر كائنات غريبة كانت غير قادرة على النمو في بعض الأماكن بسس الحاجز الحراري.

وثمة شيء اَخر مقلق ان ارتفاع الحرارة في بعض البحار مثل البحر الأبيض المتوسط يمكن أن تؤثر في قوة ومدة الرياح المسؤولة عن تجدد عن تجدد الكتل المائية, علماً ان هذه الظاهرة ضرورية لإحداث التوازن البيئي في المحيطات والبحار .

وفي الوقت الذي يكتشف فيه العلماء في البحار كل يوم أنواعاً جديدة من الكائنات والجزيئات والعوامل النشطة, والمصادر المعدنية واشياء أخرى واعدة على الصعيد الطبي والصناعي وعلى صعيد الطاقة, يفعل الانسان ما لا يمكن ترميمه في المحيطات وبخاصة سوء فهمه للدور الكبير الذي تلعبه في الجانب البيئي والمناخي.

وعدم إدراك أهمية المحيطات وتوازنها يقلل فرص النجاح في مواجهة ألغاز ومعادلات المستقبل.. فإذا تعلمنا كيف نتحالف مع المحيط استطعنا احترامه لأجل فائداتنا ومصلحتنا. فلماذا لا نعطي التحضر والتطور معنى اَخر, بحيث نستخدم التطور التقني والعلمي لإحداث التوازن البيئي والاقتصادي؟

البحر مراَتنا نستطيع أن نتأمل فيه أرواحنا, فلماذا نتعنت ونتردد في اختيار ما يفيده ويفيدنا؟

ء

الصفحة الرئيسية

 

مقالات التقارير الخاصة (البحار والمحيطات)