شبكة روايات للحوار

حياتنا

تصفح باقي أقسام موقعنا واستمتع

أقسام الموقع

بيئتنا

دليلنا

علومنا

عالمنا

أدبنا

منوعاتنا

منتدياتنا

ديننا

موقعنا

حضارتنا

برامجنا

غرائبنا

اقرأ اَخر المقالات المثيرة في أسرتنا

المقال

أبناء الطلاق..أعمار موجوعة

المصدر:جريدة الخليج الإماراتية

 

تحتاج القيم البناءة والسلوكيات القويمة الى جو أسري يهيء لها الأساس المتين ,ويحمل الفرد الدعم المادي والمعنوي والاجتماعي والنفسي للفرد,مما يسهم في بناء شخصية متوازنة وفعالة في المجتمع كما أن الجو الأسري يشكل التربة الخصبة للتربية السليمة ,والتي هي بحد ذاتها عملية دقيقة تتضافر كثير من العوامل في صياغتها ,وإن حدث خلل ما فيها ,فإن انعكاسه السلبي سيبقى من الانسان ما عاش,من هذا المنظور فإن تبعات حالة الطلاق التي تعكر صفو الجو الأسري تشكل خطورة كبيرة على ضحيته الأولى ((الطفل))من الناحية التربوية والنفسية وقد أجرينا لقاءات متعددة تنقل لنا صورة من تلك الاَثار السلبية الكثيرة:

تقول (فاديا): الطلاق حصل رغماً عني ,لم أكن أريده,وكنت مستعدة لتحمل أي شيء كي يعيش أولادي في جو أسري يبعدهم عن الحرمان المرير,لكن الظروف كانت أقوى مني ولم أستطع حمايتهم من ذلك ,والمشكلة أن أحد الولدين يعيش معي بينما الكبير مع ابيه,والمعاناة الحقيقية تتمثل أثناء ((الاراءة))وقبلها وبعدها ,إنها أشياء محزنة لا يمكن تحملها ,فعندما يعرف الصغير أنه سيرى أخاه فإنه يغني ويلعب بمرح ويخبىء له الأشياء المحببة عنده استعداداً للقاء لا يمكن وصفه,وفي لحظة الفراق ,يظل الصغير يبكي طويلاً ,ولا احد يستطيع اسكاته وارضاءه ولا يمكنني ان افعل شيئاً,اذ أنني انتظره حتى يتعب من البكاء فيسكت وهذا يشكل لي ولهم عذاباً حقيقياً بكل معنى الكلمة ,لانه يتأثر بشكل كبير ,فكيف يمكن لهذا الصغير ان يعيش حياة طبيعية وهو محروم من أبسط حقوقه في العيش مع أخيه ضمن منزل واحد وفي كنف اسرة تجمعه بأبيه أنني أفكر فيه..كيف سيرى الحياة فيما بعد؟إنه يشتاق لوالده كثيراً وان سمع في الشارع طفلاً ينادي((بابا))فإنه يرددها بصوت منخفض وحزن مشوب بالخيبة والأسى كأنه ابن خمسين عاماً.

 

طفل محروم من والده يردد كلمة ((بابا)) بصوت خفيض كلما سمع طفلاً اَخر يرددها

 

أب يعترف:أولادي فقدوا الثقة بالناس بعد طلاقي من أمهم

 

حرمنا من التعليم: عتاب ابراهيم شابة في مقتبل العمر تعيش مع اخوتها واخواتها الخمسة,واحداهن مريضة,تشكو حالتها نتيجة انفصال والديها قائلة:لقد تركنا والدنا دون أدنى اعالة ,في البداية كانت أمي تعمل لتنفق علينا لكن خوفنا على اختنا المريضة وضرورة العناية بها أبقاها في البيت فخرجنا للعمل في وقت مبكر من أعمارنا أنا واثنان من اخوتي ,أصبح همنا الوحيد هو تأمين العمل ولو كان مؤقتاً وبأجر زهيد فالمهم ايجاد مورد رزق لسد حاجيات البيت الأساسية ,أما مسألة التعليم فلم تدخل في قاموس حياتنا على الاطلاق ,نحن نتمنى ان نتعلم مثل كل الناس ولكن من يصرف على تعليمنا وعلى أكلنا ,اننا لا نفكر في مثل هذا الأمر نهائياً,ونكون سعداء عندما نبحث عن عمل ونجده ولا نفكر في أشياء أخرى تحزننا أو تعذبنا.

وتتحدث المعلمة اَمنة صباغ عن الطالب نعيم وهو ابن لأبوين مطلقين ,ويعيش عند جدته لأمه,فتقول :بعد زواج ام نعيم صار كل المدرسين يشكون منه ومن تصرفاته الهوجاء رغم محاولاتهم الدائمة الاهتمام به لأجل ظرفه الخاص,إنه يتعامل بعناد وعدوانية تجاه زملائه وينفر من كل المحيطين به ولا يقوم بالواجبات المدرسية المكلف بها إلا نادراً . وان طلب شيئاً من زميله ولم يعطه اياه فإنه يصرخ بعصبية ويحاول ضربه,انه يتمرد كثيراً ويتكلم مع مدرسيه بقلة احترام ولا يسمع نصيحة أحد , ومهما حاولنا الوقوف الى جانبه وتعاملنا معه بلين لا نستفيد شيئاً , وبالنسبة لمستواه الدراسي فهو متوسط رغم اهتمام جدته به وجلب المدرسين الخصوصيين له لتدريسه في البيت وهو يوحي دائماً بأنه قلق ومشتت الذهن طبعاً , والسبب يعود الى افتقاره للجو الأسري الذي يشعره بالأمان والحماية والاستقرار ..فهل تدرك أمه مأساتها اذا كان ابوه قد تخلى عنه قبلها؟

السيدةريم تحدثت عن معاناتها مع أولادها الذين حاول والدهم ام يشوهها في نظرهم,وصاروا يقولون لها :نحن لا نريد أماً مثلك لأنك سبب الطلاق ؟ وعندما يأتون ليعيشوا معها فترة تحاول الدفاع عن نفسها وتلغي ما بأذهانهم عنها,فينقلب الموقف ضد الأب ,تقول ريم:همي الوحيد غير بعدي عنهم هو خوفي من تشتتهم بيني وبين ابيهم , فهم تارة لا يقبلون الكلام معي وتارة أخرى يرفضون الذهاب الي ابيهم , وكلما حدثتهم فب أمر ما يجاوبون : هذا غير صحيح ,أبونا علمنا عكس ذلك وهكذا لا استطيع التحكم في أي تصرف من تصرفاتهم نتيجة ضياعهم بيني وبين أبيهم.

 

الهروب من التجربة: تقول السيدة فايزة: رغم الطلاق اعتبر نفسي ناجحة نوعا ما في تربية أولادي الثلاثة,فكل واحد منهم يتابع دراسته بنجاح ولكن لا يمكن ان نغفل غياب الأب,ومن خلال تجربتي اعترف بذلك,فمهما حاول أحد الطرفين التعويض بمفرده فإنه لن ينجح في سد الثغرات الكثيرة التي تنشأ بسبب الطلاق و مثلاً ابنتي اصبحت شابة وخطبت اكثر من مرة ولم تستمر فهي تحاول التهرب من الارتباط , ورغم محاولتي تشجيعها للإستقرار على رأي ثابت فإنها تبحث عن الأخطاء الكثيرة في أي خطيب صارخة في وجهي : أمي لا أريد ان اكرر تجربتك في الطلاق .

إنها تتهرب من الزواج خوفاً من التجربة التي عاشتها بيننا انا ووالدها رغم أن الكثير من العرسان أخلاقهم جيدة.

 

تسول: بصوعوبة كبيرة تحدث الطفل المتسول غسان قائلاً: أبي طلق امي ونحن أربعة اخوة,أخي الكبير يعمل جابياً لميكروباص , وانا بثت عن عمل ولم أجد لأن عمري صغير,رغم أنني بحاجة ماسة اليه ولم يبق امامي إلا هذا الطريق لجلب المال الذي احتاجه ,صحيح ان المارة ينظرون إلي باستعلاء وتكبر ولا مبالاة ,كنت في البداية اتضايق وانزعج من هذ النظرة التي يرمقونني بها وكم تعذبت وحزنت ,لكن فيما بعد تعودت على ذلك ,وأصبح الأمر عندي سيان ان نظروا إلي ام لم ينظروا , فالمهم عندي ان يعطوني بعض الليرات لأجمعها مع بعضها وأخرج بمصروف لا بأس به يسد حاجتي , أنا لست راغباً في ذلك,لكنني مضطر وأحسد الأطفال الذين يحملون حقائبهم ويذهبون مع زملائهم للمدارس وكم من مرة ركضت معهم أثناء خروجهم من المدرسة.

أما جميلة فهي طالبة جامعية تمر بتجربة أليمة تصفها بقولها :نعيش مع والدتنا المطلقة أنا اكبر اخوتي , وأدفع ثمن ذلك على جميع الأصعدة ,فقد عملت مبكراً من أجل إخوتي, وعلى صعيد الأسرة تؤدي أي مشكلة الى اضطراب كبير في بيتنا ,لأننا لا نتفق على حل مهما كان بسيطاً ,أحياناً يفهم إخوتي ما أريد وأحياناً أخرى يرفضون كل شيء ويقولون لي تتحكمين فينا أنت وأمك لأنها الى جانبك في كل شيء ,ولو كان الأب موجوداً لا يشعرون بغرابة ان تفرض عليهم اختهم الكبيرة أوامر معينة ,فغياب الأب يشكل فقدان المثل الأعلى الذي يركنون اليه ويثقون به.

وتضيف: أجد نفسي متعبة جداً وعاجزة عن اقناع أحدهم بالعدول عن موقف ما, فهم شباب مراهقون وفي بداية حياتهم يحتاجون للتوجيه وأخاف عليهم كثيراً وأنا وأمي وإن حاولت توعيتهم وبشكل لا شعوري كانت لهجتي حازمة معهم , يجن جنونهم , مهما كان موقفي صحيحاً وقراري سليماً ,إذ يعتبرون ذلك تحكماً مني بهم ورغبة في السيطرة عليهم.

المبالغة في الدلال: احساس السيدة هيفاء بمشكلتها يأخذ شكلاً اَخر حيث تقول:أحس بنفسي مرتبكة في التعامل مع ولدي كونه يفتقد والده ,أحاول تدليله وبكثير من المبالغة حتي أعوضه عن غياب أبيه, وأجلب له كل ما يرغب به على حساب أي شيء في حياتي وكل ما يطلبه مجاب, حتى لو كان فوق طاقاتي من لباس و العاب ومشتريات عن باقي الأطفال الذين معه في المدرسة ,لا أستطيع منعه أو تعنيفه مهما فعل لأعوضه عن بعده عن أبيه, وقد رهنت حياتي لأجله, ورغم أني أعرف ان ذلك يؤدي إلى الميوعة وقلة التوازن, فإني اقف عاجزة عن تأنيبه .والمحيطون بي ينصحونني بأن أسلوبي ليس صحيحاً ,فالدلال المبالغ فيه يؤثر في توازنه النفسي ,ورغم معرفتي الأكيدة بذلك فقد فرضت على حالته ان اتصرف هكذا معه وأخاف كثيراً من الأيام المقبلة.

ويشرح ((فريد)) سلبيات الطلاق التي يعيشها حالياً ويقول: افترقنا انا وزوجتي إذ لم نستطع ان نعيش سوياً بعد أن وصلت الخلافات الى حد لا يطاق ,وبقي الأولاد عندي,اشعر دائماً بهما, فهما لا يستطيعان ان يفرحا أو يعيشا وهما يفتقدان أمهما ومهما حاولت العناية بهما وتقديم الحنان والرعاية لا انجح في اقناعهما بالاختلاط مع أقرانهما ,انهما يخافان التعرف إلى كل جديد مهما كان التشجيع ويقولان:نحن مرتاحان هكذا بعيداً عن الناس.

ويضيف فريد: اشعر ان ابني الاثنين باتا منعزلين لدرجة شديدةويتحسسان من أي موقف بسيط وعادي ولا يستطيعان تجاوزه مع المحيطين,وان ناقشت أحدهما في الأمر فإنه يجاوبني : ابقى وحيداً افضل لي أنا لا أثق بأحد طالما أن أمي تركتني.

ويقول الأب: أشعر بالذنب في كثير من الأحيان وأعيش في خوف دائم من انعكاس ذلك على شخصيتهما ,كان علي ان اتحمل أنا وأمهما ونضحي من أجل ذلك, وأؤكد على ضرورة ان تتحمل المرأة والرجل مسؤوليتهما عند الزواج وان يحسبا الف حساب اذا فكرا يوماً من الأيام في الانفصال عن بعضهما البعض, خصوصاً اذا كان لديهما أطفال , فهم أمانة في أعناقنا جميعاً ومهما كانت الخلافات بين الأبوين يبقى تأثيرهما أخف وطأة من الطلاق الذي يخلق التعاسة الحقيقية والتي لا يمكن لملمة جراحها مع الزمن.

وتقول الاختصاصية أمل حميشة: ان حالة الطلاق لا يمكن إلا ان تترك أثراً سلبياً على الأبناء وكثير من الدراسات الاحصائية الميدانية تؤكد هذه الحقيقة فحالة التفكك الأسري والتشتت والحرمان من أحد الأبوين ستمهد لكثير من الاضطرابات وتجعل الطفل عرضة لكثير من الأمراض النفسية كالإكتئاب والقلق,وحتى بعد تقدم عمر الطفل سيظهر ذلك عاجلاً أو اَجلاً وستتأثر علاقاته الاجتماعية وارتباطاته العاطفية مع المحيط, وأغلبها يفتقد التوازن ,وقد اشارت كثير من الدراسات الاجتماعية الى ان كثير من المطلقين ينتمون في الأصل الى أسرة مفككة.

ولا بد من التأكيد على ان غياب الرعاية المتوازنة والجو الأسري الذي يقدم الأمن والاستقرار سيترك أثراً سيئاً في الصحة النفسية للأطفال , ويمهد للقلق وتشوش الأفكار والتشتت الذهني , مما يعكس خللاً في السلوك والتصرفات ويفسح الطريق لكثير من القيم الهدامة الغائبة عن رقابة الأسرة.

ء

-

الصفحة الرئيسية

العودة إلى عالمنا

مقالات أسرتنا

جميع الحقوق محفوظة © ل حياتنا hayatona.tk

ويجوز استخدام المقالات بشرط ذكر المصدر.